عزاوي حمزة مرحبا - القراءة التحليلية لرواية اللص و الكلاب
  مادة الفلسفة المستوى الثانية بكالوريا مس
  القراءة التحليلية لرواية اللص و الكلاب
  Contact

لقراءة التوجيهية:

تقديم : لقد كثر الاهتمام في الآونة الأخيرة بالنصوص الموازية، أو ما يسمى بعتبات الكتابة،في إطار نظرية التلقي التي تركز بالدرجة الأولى على الاهتمام بالمتلقي باعتباره أحدالأركان الأساسية للحديث عن التلقي، فكما لا يمكن أن نتصور إبداعا بدون مؤلف، كذلكلا يمكن تصور تلقي بدون وجود شخص يستهدفه المبدع بإبداعه، ولتسهيل عملية التلقيهذه، ولتوجيه القارئ وجهة التلقي السليمة وفرت له نصوص موازية توازي النص الجوهر،وظيفتها إعطاء فكرة مسبقة عن النص قبل الشروع في تلقيه، ومن بين هذه النصوص نذكراسم المؤلف، ونص العنوان، فما هي نقط تقاطع حياة نجيب محفوظ والعنوان" اللصوالكلاب" مع نص المؤلف؟

أ – اسم المؤلف نجيب محفوظ:
نجيب محفوظ كاتبمصري معروف ولد سنة 1912م، بحي الجمالية في القاهرة وهي منطقة شعبية وصفها فيالكثير من رواياته، منها " خان خليلي" نشأ في أسرة متوسطة درس الفلسفة بكلية الآدابوتخرج منها سنة 1934م ، وحصل على جائزة نوبل للآداب سنة 1988م بسبب دوره الرائد فيازدهار الفن الروائي العربي بصفة خاصة والعالمي بصفة عامة، وقد ترجمت قصصه ورواياتهإلى العديد من اللغات، ومن أشهر أعماله الروائية نذكر" همس الجنون، كفاح طيبة،بداية ونهاية،قصر الشوك، ثرثرة فوق النيل،خمارة القط الأسود، حكاية بلا بدايةونهاية،أولاد حارتنا......
و ما يهمنا أكتر في حياته هو أنه عايش ثورة مصر سنة 1952م واستوعب التحولات الاجتماعية والسياسية وأثرها على نفسية الشعب المصري،والرواية قيد التحليل رواية واقعية ينتقد من خلالها نجيب محفوظ واقع مصر الجديد بعدثورة مصر 1952م.

ب – عنوان المؤلف" اللص والكلاب"
العنوان هو أول خطابلفظي يواجه القارئ، ويوجه أفق انتظاره للنص، بل يلخصه له في أحيان كثيرة، لذا كانمن البد أن نقف على عنوان المؤلف" اللص والكلاب" وقفة تجعلنا نقتحم النص بفرضياتسنتأكد من صوابها.
يتألف عنوان النص تركيبيا من لفظتين هما "اللص" و"الكلاب" بينهما حرف عطف الواو، الذي يؤكد وجود علاقة بينهما،أما دلاليا فتوحي لفظة اللص إلىذلك الشخص الخارج عن القانون والمستولي على ممتلكات الغير، والذي جرمته كل الدياناتالسماوية وأصدرت ضده عقوبات متفاوتة، والذي يرمز خلافا للكلاب للخيانة والغدر،بينما الكلاب ترمز للإخلاص والأمانة والوفاء لدرجة ربط الوفاء بهذا الحيوان الأليففهل يعكس لص الرواية وكلاب الرواية هذه الدلالات؟
إذا ما نحن حاولنا ربط العنوانبأحداث الرواية أمكن لنا استنتاج أن لص العنوان هو سعيد مهران، لكن بصفات الوفاءوالإخلاص لأنه أخلص لمبادئ الثورة ،أما الكلاب فهي إشارة إلى كلاب إنسانية، مجسدةفي شخص كل من نبوية، وعليش، وسعيد مهران، لكن بصفات الغدر والخيانة، لأن كل هذهالشخصيات قد مارست الغدر والخيانة في وجه سعيد مهران، الشيء الذي جعل أحداث الروايةتميل إلى التراجيديا أو إلى دراما الروايات البوليسية.

2- القراءةالتحليلية:
أ- المنظور الأول: تتبع الحدث
* المتن الحكائي للرواية: تحكيرواية اللص والكلاب حكاية مثقف بسيط يدعى سعيد مهران، دخل السجن وخرج منه في عيدالثورة، بعد أن قضى فيه أربع سنوات غدرا ، دون أن يجد أحدا في انتظاره، ويقرر بعدهاالذهاب إلى منزل عليش لاسترجاع ابنته سناء وماله وكتبه، ويفشل في ذلك وتسود الدنيافي وجهه أكثر عندما جفلت منه ابنته سناء ورفضت معانقته لأنها لا تعرفه ، وللتخفيفمن حدة الانفعال وإحياء لبعض ذكريات ماضيه قرر الاستقرار مؤقتا برباط علي الجنيدي،الذي قضى عنده ليلته، ولكن روحانية المكان وطقوسه الخاصة وأجوبة علي الجنيدي العامةوالمغرقة في الروحانيات، جعلت سعيدا لا يرتاح كثيرا للإقامة بهذا المكان المليءبالمنشدين والمريدين، لذلك قرر اللقاء بأستاذه رؤوف علوان ذلك الصحفي الناجح الذيصار من الأغنياء قصد تشغيله معه في جريدة الزهرة، فاتجه بداية إلى مقر جريدةالزهرة، ثم بعد ذلك نحو فيلته، وهناك سيفاجأ سعيد مهران بفكر جديد لرؤوف علوان يقدسالمال ولا يكترث للمبادئ والقيم النضالية ، كما سيفاجأ برغبته في إنهاء علاقته بهخاصة عندما رفض طلب تشغيله وأعطاه مبلغا من المال ليدير شؤون حياته بمفرده بعيداعنه، مما اضطر سعيد مهران إلى التفكير في الانتقام منه، فقرر العودة إلى فيلته فيتلك الليلة لسرقتها لكنه وجد رؤوف علوان في انتظاره لأنه عليم بأفكار تلميذه، فهددهبالسجن واستعاد منه النقود وطرده من البيت، وخرج سعيد ليلتها مهزوما ومشاعر الحقدوالانتقام تغلي في دواخله، فلقد اكتمل عقد الخيانة وباكتماله تبدأ رحلة الانتقام،وتسود الدنيا في وجهه ولا يجد ملاذا أفضل من مقهى المعلم طرزان، الذي لم يتردد لحظةفي إهدائه مسدسا سيكون له دور كبير في مسلسل الانتقام، وفي ذات المكان سيلتقي بنورالتي بدورها ولدافع حبها الشديد له مذ كان حارسا لعمارة الطلبة، ستوفر له المأوىوالطعام والشراب والجرائد والسيارة، ولما توفرت له شروط الانتقام" المسدس والسيارة" ذهب مباشرة لقتل عليش في منزله لكنه أطلق النار على حسين شعبان الرجل البريء الذياكترى شقة عليش بعد رحيله، لكن سعيد مهران لم ينتبه لذلك ولم يعرف خطأه حتى اطلععلى الجرائد، وفي خضم هذه الأحداث استغلت جريدة الزهرة الأوضاع وبدأت بقلم رؤوفعلوان تبالغ في وصف جرائم سعيد مهران وتنعته بالمجرم الخطير الذي يقتل بدون وعي،الشيء الذي سيشعل نار الغضب في قلب سعيد الذي سيقرر قتل رؤوف خاصة بعدما ساعدته نورفي الحصول على بذلة عسكرية، فيستهل انتقامه بالقبض على المعلم بياظة بهدف معرفةالاقامة الجديدة لعليش ونبوية لكن دون جدوى فعاد إلى بيت نور ثم ارتدى بذلتهالعسكرية، واستقل سيارة أجرة ثم اكترى قاربا صغيرا ليتجه صوب قصر رؤوف علوان ،للانتقام منه وفور نزوله من سيارته أطلق سعيد مهران عليه النار لكن رصاصات الحراسالسريعة والكثيرة وإصابته بإحداها جعلته يخطئ هدفه، فأصاب بوابا بريئا بدل غريمه،وأثناء اطلاعه على الجرائد التي أمدته بها نور تعرف على خطئه فشعر بندم شديد،واسودت الدنيا في وجهه مع استمرار جريدة الزهرة في تحريض الرأي العام ضده ، إلى أنانتهت حياته في مقبرة بعد أن حاصرته الشرطة وأطلقت عليه الرصاص من كل جانب فاستسلمبلا مبالاة بلا مبالاة ، وحلت بالعالم حال من الغرابة والدهشة.

* الحبكة: الحبكة هي النسيج الذي يرصد الأحداث في اتصالها وانفصالها واتجاهاتها، وتنقسم إلىتقليدية تتوالى فيها الأحداث بشكل متسلسل، وأخرى مفككة لا تخضع لتسلسل منطقي، ويبدوأن الحبكة المعتمدة في رواية اللص والكلاب، تقليدية بدليل قيامها على الأسبابالمؤدية إلى النتائج، فكل حدث فيها يؤدي إلى حدث آخر وهكذا تقوم الأحداث على مجموعةمن الأسباب ، فالخيانة التي تعرض لها سعيد دفعته للانتقام و اكتراء حسين شعبانلمنزل عليش جعلت الرصاصة تصيبه، ووشاية عليش ونبوية جعلت سعيدا يدخل السجن....
* الرهان: ينقسم الرهان دائما إلى رهان المحتويات ويتأسس حول الشخصياتوالموضوعات المتنازع عليها، ورهان الخطاب ويتأسس على علاقة المؤلف مع المتلقي أوعلاقة النص مع المتلقي، وإذا عدنا إلى مثن اللص والكلاب وجدنا أن رهان المحتوى الذيله علاقة بالشخصيات يتراوح بين الفشل والنجاح، فسعيد مهران يفشل في تحقيق رهانهالكلي المتمثل في تحقيق مشروعه النضالي وتحقيق العدالة الاجتماعية، ويتراجع عن هذاالرهان إلى رهان آخر جزئي وهو الانتقام من خصومه دون أن يحققه، بخلاف غريمه رؤوفعلوان الذي استطاع تحقيق رهانه المتجسد في الحصول على الثروة وإن كانت الطريقةوصولية انتهازية. أما رهان الخطاب أو النص ككل فيمكن حصرهفي كون المحاولات الفرديةلتغير الواقع مآلها الفشل، فلا يمكن لفرد مهما أوتي من ذكاء وعزيمة وإصرار أن يغيرواقع أمة مهما كان الواقع مأساويا وظالما، فالتضحيات يجب أن تكون جماعية لكي ينتصرالخير على الشر، والحق على الباطل، والعدل على الظلم.

* دلالات وأبعادالحدث: إن كل الإشارات التاريخية التي وردت داخل مؤلف اللص والكلاب، تشير إلى أنالرواية لها علاقة بواقع مصر السياسي والاجتماعي لما بعد الثورة المصرية سنة1952م ،ومن هذا المنطلق أمكن لنا أن نقول ومن خلال الأحداث التي وقعت لسعيد مهران والذيوجد نفسه فجأة يعاني من تفكك أسري وحزبي، أن رواية اللص والكلاب رواية تستهدفبأبعادها كشف واقع مصري يعاني معاناة اجتماعية ونفسية نتيجة السلوك الانتهازي لبعضالأفراد الذين غيروا قناعاتهم النضالية ومواقفهم استجابة لمتغيرات نهاية مرحلةالخمسينيات والستينيات ونتيجة لإرضاء مآربهم الشخصية، ودمروا بمواقفهم المتغيرةأسرا كثيرة وحكموا على الشعب بشكل عام بالفقر والجوع والقلق الوجودي والروحي.
ب- المنظور الثاني: تقويم القوى الفاعلة
1- جرد القوى الفاعلة: القوى الفاعلة لاتنحصر في الشخصيات بل تشمل كذلك المؤسسات والأفكار والقيم والمشاعر، وكل ما يساهمفي تحريك الأحداث، وبالعودة إلى رواية اللص والكلاب أمكننا جرد القوى الفاعلةكالتالي:
أ- الشخصيات: تنقسم شخصيات اللص والكلاب إلى رئيسية وثانوية وعابرة،سنحاول تقديم خصائصها ومواصفاتها :
سعيد مهران
شاب مصري مثقف،تحمل مسؤولية أسرته منذ الصغر، توفي أبوه وبعده أمه، مؤمن بمبادئ المساواة والعدلوالكرامة والإنصاف، مناصر للمظلومين والكادحين، ناضل من أجل تحقيق مبادئ الاشتراكيةعلى الواقع،حريص على الانتقام من نبوية وعليش اللذان غدرا به وأدخلاه السجن،ومنرؤوف الذي تنكر لمبادئ الحزب والنضال، يعاني من فراغ روحي وقلق وجودي وغربة وضياع،أسير الحقد والكره والانتقام.رمز للكادحين والفقراء المناضلين من أجلالقيم.

رؤوف علوان
طالب قروي، مناضل مؤمن بالتغير، له قدرة على التأثيربأسلوبه في محاوريه، أكمل دراسته ثم تحول إلى صحفي ناجح، انتهز الظروف السياسيةالجديدة فتحول إلى قلم برجوازي مأجور، تنكر لأصوله الكادحة،ولطبقته،متطلع بشغفلحياة الارستقراطية،أكلا وملبسا ومسكنا، يشوه الحقائق ويكلب الرأي العام ضد سعيدويصوره مجرما خطيرا. رمز للبرجوازية القاسية على الفقراء.

عليش
غريم سعيدمهران – المستفيد من سجنه والمستولي على زوجته وابنته وجميع ممتلكاته – متحايل كبيرانتهازي خائف على مصيره الشخصي ومتخذ لجميع الاحتياطات حتى لا ينال منه خصمه سعيدمهران.رمز لخيانة الصداقة.
الشيخ علي الجنيدي
زاهد متصوف، له انشغالات روحيةبعيدة عن الواقع المعيش، يحاول تبرير الواقع بالغيبيات لأنه مستفيد من الوضعالسياسي السائد – يشكل نوعا من الاطمئنان النفسي والروحي لسعيد مهران – يلجأ إليهدائما وقت الشدة . رمز للتصوف والفكر الديني.
نـــــــــور
عنصر مساعدللشخصية الرئيسة سعيد مهران – مومس – قست عليها الحياة الاجتماعية – متوسطة الجمالمستسلمة لرغبات الزبناء – مغرمة بسعيد مهران وترغب في زواجه – وفرت له الطعاموالمسكن والجرائد والسيارة . رمز للإباحية والقيم المفقودة.
المعلمطرزان
صاحب مقهى – صديق سعيد، وفر له المسدس وأمده بمعلومات هامة ساعدته علىالاختفاء عن أنظار الشرطة.رمز للصداقة الصادقة.

نبوية
زوجة سعيدالسابقة، وأم سناء أحبها سعيد بصدق وظل يحلم بالاستقرار الدائم إلى جوارها مع ابنتهسناء بعد خروجه من السجن،لكنها تنكرت له وارتبطت بعليش. رمز للخيانة الزوجية.
سناء
موضوع صراع بين الأب الطبيعي سعيد مهران و زوج الأم والمحتضن عليش، لمتتعرف على أبيها، تبدو خائفة مضطربة أثناء اللقاء الذي جمعها بابيها الحقيقي سعيدمهران. رمز للبراءة المغتصبة.
المعلم بياضة
زميل سابق لسعيد وصديق وشريكعليش، خان صديقه الأول، وكاد أن يؤدي ثمن هذه الخيانة أثناء لقائه بسعيد مهرانالباحث عن المكان الجديد الذي استقر به عليش.


ب - المؤسسات: في الروايةعدة مؤسسات فاعلة في أحداث الرواية ومؤثرة على شخصياتها نذكر منها على سبيل المثاللا الحصر : السجن باعتباره أول مكان يؤطر فضاء الرواية، أثناء تواجده به حصلتالخيانة، وتحققت أهداف الانتهازيين، وهناك الصحافة التي أثرت في جهاز الشرطة والرأيالعام المنقسم إلى معارض أو مناصر لسعيد مهران، ثم هناك المدرسة والجامعة التي شكلتنعمة لرؤوف علوان ومصدر وعي شقي لسعيد مهران.
ج- الجمادات : متنوعة بين الحارةوالمقهى ومنزل نور و فيلا رؤوف علوان والجبل والمقبرة والشوارع وعمارة سكن الطلبةورباط الجنيدي، والتي تركت آثارها القوية أو الضعيفة في نفسيات شخصيات الرواية، فهيتحتضن الذكريات حلوها ومرها، لذلك تم استرجاعها أحيانا، أو محاولة تناسيها كما هوالشأن بالنسبة لرؤوف علوان و عليش المتنقل من منزل لآخر خوفا على حياته من انتقامسعيد مهران.
د- القيم والمشاعر: تتنوع هذه القيم والمشاعر بين القناعةوالاستسلام للأمر الواقع ويمثلها علي الجنيدي، والانحراف والخروج عن القوانين،ويتجسد ذلك في شخصية المومس نور والمتاجرين في الممنوعات من ذوي السوابق كطرزانوغيره، ثم الرغبة في الغنى والثراء على حساب القيم الأصلية والانتماء الطبقي، ويبرزذلك جليا في التسلط الطبقي لرؤوف علوان، في مقابل الالتزام الإيديولوجي والإيمانالصادق بالعنف الثوري المجسد في شخصية سعيد مهران، أما عليش فيمثل أعلى درجاتالشخصية الانتهازية التي لم تكتف بسرقة أموال الصديق بل ا استولت على زوجته وابنتهوكل ممتلكاته، مما جعل مسألة الانتقام منه ونبوية تحتل مركز الاهتمام لدى سعيدمهران.
ولعل أهم الشخصيات التي عاشت عدة مشاعر متناقصة ومتضاربة وجارفة هي شخصيةسعيد مهران، لأنه عاش خيانة مزدوجة، الأولى اجتماعية من زوجته وصديقه عليش،والثانية إيديولوجية ثقافية من طرف أستاذه وموجهه رؤوف علوان، مما جعله يحسبالمهانة والخزي والعار أمام أسرته وأصدقائه وذاته، فقرر الانتقام من جميعالخونة.
وهكذا يظل جرد القوى الفاعلة – شخصية كانت أو مؤسسات أو جمادات أوحيوانات أو قيما ومشاعر – الحاملة لحركة الفعل التي تمارسها الشخصيات في الروايةأساسية ومهمة في التحليل، لأنها تساهم بطريقة ما من الطرق في الحدث.

جالكشف عن البعد النفسي:
إن قراءتنا لرواية اللص والكلاب من المنظور النفسي،تنتهي بنا إلى إدراك ما تخفيه الشخصيات من مشاعر وأحاسيس وعواطف متوترة، نستنتجمنها عمق الأزمة الإنسانية النفسية التي يعاني منها المجتمع المصري والعربي فيخمسينيات وستينيات القرن20، الذي قدر عليه أن يعيش في زمن غريب لا يأنس له ولا يشعرمعه بالاطمئنان ، إن مؤلف اللص والكلاب بهذا المعنى رواية واقعية نقدية رمزية تكشفعن الحالة النفسية للمجتمع من خلال التعمق في شخصية سعيد مهران الذي تعرض لخياناتاجتماعية وسياسية خلقت منه نموذجا بشريا دائم القلق والحيرة ، فمن يكون سعيد مهراننفسيا؟ وما علاقته بالإنسان العربي؟
لقد قدمت رواية اللص والكلاب شخصية سعيدمهران ذلك الشاب الفقير الذي تعرض لأنواع من الحرمان والقهر بمواصفات نفسية جعلتمنه نموذجا إنسانيا عربيا يعاني من توتر نفسي وعاطفي وقلق وغربة سواء تجاه منخانوه" نبوية، عليش، رؤوف" أو أحبوه" نور، طرزان، فئة الفقراء" أو إزاء الزمنالماضي والحاضر والمستقبل،فعن طريق استرجاع شريط الألم " وفاة والده، أمه، خيانةالزوجة الصديق، الأستاذ،" نفهم سر جنون سعيد مهران، فجنونه أزمة نفسية ولدهاالإنسان الذي خان شعبه وتنكر للمبادئ، وأزمة ولدها الصديق الذي خان الصداقة،وولدتها الزوجة التي نسيت الوفاء...، لذلك لا غرابة أن يعيش سعيد مهران فراغاعاطفيا، وروحانيا، وغربة، وضياعا، وقلقا، وتوترا، وهذه صورة مصغرة لأسر كثيرة تشاركسعيد هذه المعاناة سواء كان تواجدها داخل أم خارج المؤلف.
وهي أزمة نفسية ألقتبثقلها على العلاقات العاطفية بين الأفراد، بحيث أصبحت أكثر مأساوية، فعلاقات الحبالتي يمثلها في المؤلف حب سعيد لابنته وحب نور لسعيد، تتراجع لتفسح المجال للكراهيةوالحقد، فتكون النتيجة قتل ومطاردة ورغبة في الانتقام، كما أن علاقة الوفاء التييجسدها في المؤلف وفاء طرزان و نور لسعيد ، قد تراجعت بدورها لتحل محلها الخيانةبأبعادها الاجتماعية والسياسية. بل حتى العلاقة الروحانية بين الإنسان وربه تأثرتفي وسط هذا المجتمع المادي ودليل ذلك علاقة سعيد برباط علي الجنيدي.
هكذا يبدوالعالم النفسي كئيبا وما يزيد من كآبته حضور تيمات الظلم والكره والخيانة، خيانةوظلم وكره أقرب وأعز الناس إليك أو من كان من المفروض أن يحبوا، وتيمة الحب كذلكلكن بوجه جديد يسبب لصاحبه الأحزان أكثر من الأفراح، حب سعيد لسناء الجريح، وحب نورلسعيد الذي فات زمنه.

هكذا يبدو واضحا بأن نجيب محفوظ قد تعمد التركيز علىنفسية بطل هذه الرواية لغاية كشف التحولات الصعبة التي يعيشها الإنسان المصريوالعربي وتداعياتها على نفسية الفرد خاصة الفقير الكادح.
د المنظورالاجتماعي:
اشتهر نجيب محفوظ في مجمل رواياته، بتصوير الواقع المصري الاجتماعيتصويرا تظهر من خلاله الصورة الحقيقية للبنية الاجتماعية المصرية، كما تبدو منخلاله معاناة الإنسان المصري الاجتماعية، فما هي طبيعة المجتمع الذي تتحدث عنهرواية اللص والكلاب؟
تصور رواية اللص والكلاب واقعيا اجتماعيا متناقضا أفرزتهالتحولات السياسية في خمسينيات القرن20 تختصره فئتان، فئة الأغنياء التي يمثلهارؤوف علوان والتي تمتلك كل شيء، وفئة الفقراء التي يمثلها سعيد مهران والتي تفتقرلأبسط متطلبات العيش الكريم، وهو تناقض اجتماعي سيؤدي إلى ظهور أمراض اجتماعيةخطيرة، كالسرقة التي اعتبرها سعيد مهران وسيلة لإعادة حق الفقراء، فمن السارق ومنالمسروق؟، والمتاجرة في المخدرات والذي يمارس ذلك هو المعلم طرزان، ناهيك عنالدعارة التي تمارسها نور، ولا تتوقف تداعيات هذا التناقض في ظهور أمراض اجتماعيةفقط، بل في ممارسات أخرى أكتر تعقيدا كالخيانة والنفاق والانتهازية التي ذهب ضحيتهاسعيد مهران.
هكذا يبدو واضحا أن رواية اللص والكلاب رواية نقدية تنتقد وبشدةالواقع الاجتماعي الذي أفرزته الثورة والذي عمق من معاناة الطبقة الفقيرة وزاد منهمومها إلى درجة أن أسرا كثيرة قد تفككت علاقاتها نتيجة الفقر والحاجة، واضطرت إلىبيع شرفها ومبادئها أو النضال من أجل تحققها إلى آخر أنفاس الحياة، فمن يتحملمسؤولية هذا الواقع الجديد؟
ه- منظور البعد الأسلوبي: يتميز أسلوب نجيب محفوظ فيرواية اللص والكلاب بالاقتراب من لغة البساطة والوضوح والدقة في الوصف دونما اهتمامبالمحسنات البديعية، مراعاة للغة العصر التي تأثرت بلغة الصحافة والطباعةوبالمثاقفة، كما تقترب من لغة الحياة اليومية من خلال اعتماد لغة حية لها علاقةبالشارع المصري، بهذا يؤسس نجيب محفوظ لتجربة جديدة تمزج بين اللغة العربية الفصحىواللغة العامية في محاولة لصبر أغوار الإنسان العربي وكشف همومه النفسيةوالاجتماعية، كما تتميز لغة الرواية بتداخل خيوط السرد، الذي يتداخل فيه صوت الكاتببصوت السارد والشخصية، الشيء الذي يؤكد بأن الكاتب قد سرد الأحداث بالاعتماد علىوضعيات سردية متعددة، من أجل الإحاطة بهموم الشخصية من كل جوانبها، كما تتميز اللغةكذلك باعتماد حقول معجمية كثيرة " حقل الحرية، حقل الموت، حقل الدين، حقل الجسد،حقل السجن، ...." وباعتماد لغة الوصف " وصف الشخصيات، الأماكن.." واعتماد الحواربنوعيه الخارجي والداخلي .
القراءة التركيبية:

لقد بات واضحا أن روايةاللص والكلاب لنجيب محفوظ، رواية واقعية نقدية تشخص بعمق مشاكل الفرد في مجتمعتلاشت فيه القيم النبيلة، وساده الظلم والفساد. هذه الرؤية المأساوية التي يعبرعنها نجيب محفوظ في هذه الرواية، تستخلص من خلال مسار البطل الفردي. ولاشك أنالإصغاء لمشاكله ولمعاناته مع الذين خانوه، يعكس بالملموس أزمته الداخلية، وهي أزمةتخلع عليه سمة البطل الإشكالي، الذي يطمح إلى غرس القيم الجميلة في مجتمع يفتقد لكلمظاهر القيم والمبادئ، وهذا ما يفسر تركيز الرواية على شخصية البطل في حين تحضرالشخصيات الأخرى في علاقاتها بشخصية البطل .

ويحاول كل كاتب جيد أن يوازن بين هذهالعناصر لكي يتمكن من إيجاد عمل فني موحّد.
الشخصيات ::قد ينحو الكتّاب نحووصف الأحداث أو الأفكار، إلاّ أن عليهم أن يصفوا كذلك الشخصيات ـ أي الأشخاص أوالأشياء ـ التي تؤثر فيها تلك الأفعال والأفكار. وتمثل الشخصيات نقطة الارتكازالأساسية في الكثير من الروايات والمسرحيات، وكذلك في السير الغيرية والسيرالذاتية، وحتى القصيدة فهي إنما تهتم بالشخصيات، والراوي أو الشاعر هو في الغالبالشخصية الرئيسية في القصة والقصيدة. وعلى الكتّاب أن يعرفوا شخصياتهم حق المعرفةوبعمق، وأن تكون لديهم صورة واضحة عن شكل كل شخصية من هذه الشخصيات وطريقة حديثهاوأفكارها.
الدوافع تعني الأسباب التي تدفع الشخصيات إلى القيام بأعمال معينة. وعلى الكتّاب أن يتأكدوا من أن الدوافع التي تحرك شخصياتهم إنما هي دوافع واضحةومنطقية. فالشخصيات في الأعمال الأدبية، كما هي في واقع الحياة، هي التي تقررالأحداث. فمن الصعب على رؤوف علوان بطل رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ، وعلي بطلرواية ردَّ قلبي ليوسف السباعي، على سبيل المثال، أن يتبادلا مواقعهما. فلو حل رؤوفمحل علي لتغيّرت رواية اللص والكلاب، ومثل ذلك رواية ردَّ قلبي .

مسرح الأحداثالمكان الذي تحدث فيه قصة تلك الشخصيات. فالشخصيات الأدبية، شأنها شأن الأشخاصالذين يقرأون قصصهم تلك، لا يوجدون في الفراغ، بل إنهم يتصرفون بحكم علاقاتهمالمتبادلة وبحكم ردود أفعالهم بعضهم إزاء بعض. وهم أيضًا يتجاوبون مع العالم الذييعيشون ضمن نطاقه. ومسرح الأحداث هو أحد سبل إظهار طبيعة الناس. فلو أن زينب بطلةرواية زينب والعرش لفتحي غانم عاشت في نفس البيئة والظروف التي عاشت فيها الفلاحةبطلة رواية الحرام ليوسف إدريس، لاختلفت طريقة الاستجابة والتصرف إزاء المحيط الذيتعيش فيه كل منهما.


الحبكة ::أو ما يسمى عقدةالقصة ، تروي ما يحدث لشخصيات القصة، وتبنى حول سلسة من الأحداث التي تجري خلالفترة معينة من الزمن. وتجدر الإشارة إلى أنه لا توجد قوانين معينة لترتيب الطريقةالتي تقدَّم بها تلك الأحداث.

وللحبكة الموحدة بداية ووسط ونهاية، أي أنالكاتب يقودنا من موقع ما (شخصية تواجه مشكلة معينة) عبر مسار ما (الشخصية وهيتواجه تلك المشكلة) إلى موقع آخر (الشخصية وهي تتغلب على، أو تغلبها تلك المشكلة). أما بالتعبير الأدبي فيمكننا القول: إن القصة تبدأ بعرض جوانب القصة، ويتلو ذلكتصاعد الحدث، ثم وصوله إلى الذروة وحل عقدة الحدث أو النتيجة النهائية. والكشف هوسرد لخلفية القصة ووضعيتها. أما تصاعد الحدث فهو يبنى على أساس المادة المطروحة وهوالذي يولد عناصر التشويق، أو ما يمكن أن يوصف بأنه رغبة القارئ في معرفة ما سيتلومن أحداث. أما الذروة فهي قمة مواضع الإثارة والتشويق، بينما يمثل حل عقدة الحدثنهاية القصة.


الموضوع ::هو الفكرة الأساسية أو الرئيسية التي يُعبر عنها عمل أدبيما. وهو يتطور بالتفاعل بين شخصيات القصة وحبكتها. وقد ينحو الموضوع نحو تحذيرالقارئ بأن عليه أن ينتهج سبيلاً أفضل أو مساراً آخر في حياته. وقد يعلن أن الحياةمجدية أو غير مجدية.

ويجاهد الكتّاب ذوو الأصالة لإنتاج أعمال تعبِّر تعبيراً صادقًا عنالمشاعر أو العواطف الصادقة. وهم يتجنبون العاطفية التي تعني المبالغة في الأحاسيس،والكاتب ذو المشاعر الصادقة لا يحرص على إملاء وجهة نظره على القارئ. والقصة الجيدةهي تلك التي تقود القارئ إلى الاستنتاج الذي يريدهالكاتب.


الأسلوب ::هو الطريقة التي يستخدم الكاتب بها الكلمات في صياغةالأدب. إنه تتابع الكلمات واحدة بعد الأخرى وتتابع الفقرات بعضها وراء بعض. وتجدرالإشارة إلى أننا قلما نستمتع بشخصيات القصة، أو حبكتها دون أن يكون أسلوب الكاتبنفسه ممتعًا أيضًا. فالطريقة التي يكتب بها الكتّاب هي جزء مما يريدون قوله. ومنذالكلمة الأولى إلى الكلمة الأخيرة، يجب على الكاتب أن يحل المشكلات المتعلقةبالأسلوب، بالإجابة عن أسئلة مثل: ما نمط الكلمات التي سأستخدمها؟، وكيف سأقدمالتفاصيل؟، وهل ستكون الفقرات طويلة أو قصيرة؟.


وجهة نظر الكاتب هي الطريقة التي يعرض بهاقصته وهي جزء آخر من وجوه الأسلوب. وقد يلجأ الكاتب لرواية القصة بصيغة المتكلم (أنا) وكأن الرَّاوي هو شخصية رئيسة أو ثانوية في القصة. وقد يلجأ الكاتب إلىالتحدث بصيغة الغائب (هو) أو (هي) حيث يعزل الرَّاوي نفسه عن الشخصيات ليتولى وصفالحدث. وفي صيغة الغائب ذات وجهة النظر (المحدودة) يصف الكاتب الأحداث كما قد تراهاوتسمعها شخصية واحدة فقط. أما في صيغة الغائب (الموجود في كل مكان) أو العارف بكلشيء فإن الكاتب يروي ما يدور في ذهن شخصيات عديدة وما تحس به كل واحدة من هذهالشخصيات من مشاعر

عزاوي حمزة الثانية باكالوريا اداب 2 كلميمة
e-mail :hamzatec@live.fr

 
Aujourd'hui sont déjà 3 visiteurs (4 hits) Ici!
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement